يوميات مسودن \
الشعبيات ... يا خمري وطيبي
اشهد الله اننى لم احب ولن احب في هذة الدنيا شيئا بقدر ما احببت الشعبيات ( تيماء) , هوائها الطاهر الذي يشرح الصدر رغم جفافة وسميتة والذي قد يصيب من يتنشقة للمرة الاولى بالربو او الحساسية المزمنة , مبانيها القديمة التى تفوح منها رائحة الكرامة والصبر والعزة , حتى (الجينكو) الذي يتواجد بقوة في تلك البيوت الصغيرة ليزيد
رحم الله تلك الايام ما اجملها بالرغم من كل الحسرات والاهات التى تحوطها من كل جانب , صحيح اننى ابتعدت عن الجهراء منذ زمن بعيد وانتقلت للعيش فى منطقة بعيدة لكنها (الشعبيات) في قلبي مثل المشاعر وفي عقلى مثل الافكار وفي كياني مثل الاحساس وفي وجودي مثل الشي .. فالجهراء والشعبيات تحديدا هي وطني الاول الذي يجبرني الحنين عند اى اقتراب منه لزيارتة والتجول بين شوارعه الجميلة حتى لو كان القرد بعين امة غزال والجلوس لساعات في اى بقعه منها خصوصا على شارع الممشي الجديد الذي يزيد عظمة وكبرياء رغم حداثتة عن شارع الشانزيليزية وارجاع شريط الذكريات فيها من البداية الى لحظة فراقي عند اخر (وزة) حملت بها عفش بيتي منها... الى كل تلك الايام والسنوات الجميلة التى عشتها فيها , الى ذلك الضياع الذي عشتة ومازلت اعيشة بسبب بعض الكلاب....... وما اجمله من ضياع !!
هل تتفقون معي ان الحيز الصغير او القطعه التى كنت تعيش فيها هي وطن جزء من وطن اكبر ؟ وهل تمتلكون مثلى حنينا عند الابتعاد عنه ولو لفترة صغيرة ؟ هل بالفعل الوطن هو الاول والمقدم دائما وان فاقد الاهليه والمشاعر هو من يفقد ذلك الوطن ؟ ولماذا عندما تضيع كل الطرق على النفس يلجا الانسان بينة وبين نفسة الى مناجاة وطنة في داخلة الوطن الذي انشأة هو لنفسة وتكيف معه حتى لو لم يجد اعترافا من المحيطين بوطنيتة واهليتة وحقيقتة من هذا الوطن.. ؟
يقول ابن الرومي
ولي وطن آليت ألاّ أبيعه * وألا أرى غيري له الدهر مالكا
عهدت به شرخ الشباب ونعمة * كنعمة قوم أصبحوا في ظلالكا
وحبَّبَ أوطان الرجال إليهم * مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكَّرتهم * عهود الصبا فيها فحنوا لذالكا
قليلا من مساحتها بتنظيم هندسي بشع للغاية , شوارعها المبهدلة كبهدلة المضروب من خمسة (يدقون حديد) والنهر الذي يجري فيها مجري الدم في الشريان , اهلها الطيبين اللذين لو انتخوا هبوا ولبوا دون ندامة او خجل , دواوين (الشياب) العتيقة كعتق العنبر والمسك والعود , سوالفهم الجميلة و (ضغاطهم) العنيف لبعضهم البعض في احترافية بليغة وكأن كل واحد منهم هو ديفيد ليتمان لكن بنسخة جهراوية محدثة , لعب الاطفال في عز الظهر كرة القدم او كرة العنبر دون الاعتراف بدرجة الحرارة او بفائدة الاحذية اجلكم الله... (نبابيطهم الموجعه لشبات الشوارع) و (قواريهم الملونة بألوان التييب المختلفة) , (العيايز) و تواصلهم مع الجارات وشكل البرقع والعباة ومؤتمرات الحش اليومية , افرع الجمعيات والمحولات التى تزينها (شخابيط) الذكريات التى تفوق شخابيط نانسي عجرم جمالا ورونقا , الجمعيه الكبير التى لم تتغير ابدا مثلما لم يتغير هرم خوفو الاكبر , المستوصف البارد مثل ثلاجتنا الهيتاشي المكسورة , كل مكان في شارعنا القديم وكل (طابوقة) و (صخرة) و (حبة رمل) , بيتنا القديم ببابة الابيض الذي اكلة الصدأ مشكلا لوحة فنية معبرة يعجز بيكاسو لو كان موجودا ان يرسم مثلها , بيت محبوبتي في فترة المراهقه العنيفة , بيوت اصدقائي اللذين فرقتهم الدنيا و (اولاد الحرام) وذكريات (هوشاتنا) مع اولاد الحارات الاخرى وشربنا للسجائر التى تجعلنا رجالا بشكل اسرع كما كنا نظن , حفرة قطعه اثنين قبل وبعد الردم و وحمامات السباحة و المستنقعات اللتى تتكون فيها بعد اى هطول متوسط للمطر ولعب الاطفال فيها , اشعه الشمس التى تغطي حيزها فهي تكون المع و اوضع وانقى واصفى في الشعبيات دون غيرها من سائر بقاع المعمورة , البرد والحر والغبار المتغير كتغير مزاج شايب ستيني جهراوي , اصوات سيارات (المقحصين) وتجمعات (المصبنة) ..... كل شيء
No comments:
Post a Comment